في كندا، أبرم الحزب الليبرالي الحاكم والحزب الديمقراطي الجديد المعارض اتفاقاً يستهدف إبقاء الحكومة في السلطة حتى عام 2025. وبموجب الصفقة المعروفة باسم «اتفاقية الثقة والعرض»، وافق الحزب الديمقراطي الجديد على دعم الليبراليين في مشروعات قوانين رئيسية مقابل مجموعة من التعهدات.

وتشمل هذه التعهدات برامج قومية في العقاقير العلاجية والرعاية الطبية للأسنان، وتشريعات تحظر الاستغناء عن العمال أثناء فترات الإغلاق، وإجراءات تصالحية مع السكان الأصليين، وسياسات متعلقة بالمناخ. ويؤكد الاتفاق في نصوصه على الوعود التي تم قطعها بالفعل، ويضيف كلمات مثل «التعجيل» و«المضي قدماً»، ولذا يجب ألا نحمله أكثر مما يحتمل.

لكن مع استمرار الجائحة والحرب الروسية في أوكرانيا وأزمة المناخ، فإن القليل من الاستقرار والقدرة على التنبؤ مرحب به إلى جانب بعض برامج الرعاية الصحية الوطنية المهمة المحتملة، مع الأخذ في الاعتبار أهميةَ تفاصيل الصفقة وكيفية تنفيذها. وعلى المستوى الاتحادي في كندا، اتفاقات الثقة والعرض غير شائعة لكنها ليست غير مسبوقة، بل هي في الواقع سمة مشتركة في الديمقراطيات البرلمانية في جميع أنحاء العالم وتمثل أداةَ حكم منطقية ومشروعة. لكن نادراً ما يلتزم الخصوم السياسيون بالوقائع. فقد سارع حزب المحافظين الكندي إلى السخرية من هذا الترتيب.

ووصفت كانديس بيرجن، الزعيمة المؤقتة للحزب، الصفقةَ بأنها «ائتلاف»، وأشارت إلى أن «الكنديين لم يصوتوا لحكومة بها الحزب الديمقراطي الجديد». ومضت تقول إن هذا «اشتراكية متسللة». صحيح أن تنفيذ اتفاق الحزب الليبرالي والحزب الديمقراطي الجديد ستكتنفه مشاق كثيرة، لكن التحدي الأول يتمثل في تقديم بعض الحقائق الأساسية في شكلها الصحيح. فالاتفاق ليس ائتلافاً. والائتلاف يتحقق حين يعمل أعضاء من حزبين أو أكثر في مجلس وزراء ويشكلون حكومةً تضمهم معاً.

ما لدينا هنا هو صفقة يبقى فيها حزب في المعارضة في موقعه، لكنه يوافق على دعم الحزب الحاكم في مسائل الثقة، أي في مشروعات القوانين التي إذا لم يجر إقرارها تؤد إلى إسقاط الحكومة، مقابل تنازلات معينة. وفهم الفرق بين الائتلاف واتفاق الثقة والعرض أمر مهم لأن سوء فهم النظام (عن عمد أو غير عمد) يسمح بانتقادات كسولة ولئيمة ورجعية. وعلاوةً على هذا، فإن الوقت الذي نقضيه في مناقشة مدى ديمقراطية أو مشروعية الصفقة نضيع مثله على مناقشة جوهر السياسات المطروحة. وحالياً، يجب أن ينصب تركيزنا على تمحيص السياسات التي تشكل الاتفاق وطرح أسئلة حول هذه السياسات نفسها، مثل «مِن أين تأتي الأموال التي تدعم الوعود؟». وهناك بعض البشائر التي تشير إلى توجهات سياسية واعدة، لكن هناك حدوداً لما تم التعهد به في هذه الخطة. فبرنامج العناية بالأسنان يستهدف الكنديين ذوي الدخل المنخفض ويتضمن المشاركةَ في تغطية التكلفة من الأشخاص الذين يجنون أكثر من 70 ألف دولار في السنة.

ويجب أن يكون البرنامج شاملا ولا يتضمن مشاركةً في تغطية التكلفة. ولن يتم تنفيذه على مراحل بالكامل إلا في عام 2025، على الرغم من أن بعض التغطية ستبدأ في وقت مبكر. ويمكن ويجب التعجيل بهذا. وعند الحديث عن السياسات الشاملة، هناك خطة وطنية لصرف العقاقير العلاجية مع وعد «بالتقدم المستمر نحو برنامج وطني شامل للرعاية في العقاقير العلاجية من خلال إقرار قانون كندا للرعاية في العقاقير العلاجية بحلول نهاية 2023».

والوعد بالتقدم ليس سياسة، لكن إذا تم الالتزام بالجدول الزمني ونجح الحزب الديمقراطي الجديد في إلزام الليبراليين بتحقيق وعودهم، فمن المتصور أن تُطرح الخطةُ بحلول الانتخابات القادمة. ويجب ألا نأخذ هذا كأمر مسلَّم به. فكلما اقترب الموعد النهائي تعيَّن على الحزب الديمقراطي الجديد الضغط على الليبراليين لتبني نموذج شامل حقاً وموحد لتمويل للعقاقير العلاجية ويطبَّق بالتساوي في جميع أنحاء الاتحاد، أي في كل مقاطعة وإقليم، ولا يتضمن أي نفقات يدفعها الكنديون من جيوبهم.

وفي أي اتفاق للعرض والثقة، يحتمل أن يطغى الجانب الحاكم على الحزب الأصغر. وهذا ينطبق على الحزب الديمقراطي الجديد كما حدث في السابق. وقد هيأ الحزب فرصة جيدة لوضع سياسة تحْدِث تحولا، لكن لا شيء يتحقق ما لم يتحقق بالفعل. والجيد في الأمر هو أن جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا منذ عام 2015، له خبرة في قبول بعض العروض ومستعد لأن يسمح للحزب الديمقراطي الجديد بتقديم عروضه.

وسيتعين على زعيم الحزب الديمقراطي الجديد، جاغميت سينغ، وعلى حزبه، التأكد من أن ترودو لا ينحي هذه العروض جانباً قبل تقديمها في السياسة.

*كاتب ومحلل سياسي كندي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»